قصة السلطان المجنون، حقيقة تولي مختل عقلي عرش الحكم، اللغز وراء تولي مجنون العرش، السلطان الخامس عشر، تأسيس الدولة العثمانية، كما أن الحرب خدعة كذلك السياسة كذبة، جميع الأحداث السياسية التي تظهر للعلن ما هي إلا واجهة وستارة لأحداث تجري في الخفاء، لا سيما في العصر الحديث، أي منذ دخول العنصر الأجنبي لحياة الآخرين وسياساتهم، مما خلّف عدة ألغاز في تاريخ البشرية
وفي هذا المقال سنتناول أحد هذه الألغاز وهو: كيف تولى مصطفى الأول عرش السلطنة العثمانية بالرغم من ضعف قواه العقلية؟سنجيب عن هذا السؤال من خلال البحث فيما وراء الكواليس، وكشف الغموض الذي اكتنف هذه القضية، في سبيل حل هذا اللغز.
تأسيس الدولة العثمانية وآلية انتقال السلطة
قصة السلطان المجنون، كانت البداية من مقاطعة صغيرة تابعة لسلاجقة الروم في الأناضول، يتزعمها الغازي أرطغل القادم وسط آسيا هرباً من غزوات المغول، وفيما بعد اتسعت حدود المقاطعة على يد ابنه وخليفته عثمان بك، محولاً المقاطعة إلى إمارة، مما دفعه إلى إعلان استقلاله عن السلاجقة عام 1299م، وهو عام تأسيس الدولة العثمانية ـ نسبةً إلى المؤسس عثمان ـ، والتي اتسعت حدودها لتشمل آسيا الوسطى و الوطن العربي ومناطق واسعة من أوروبا.
عملاق قندهار آكل لحوم البشر.. بين الواقع و الأسطورة
اعتمد عثمان بك نظام الحكم الوراثي القائم على انتقال العرش إلى أكبر أبنائه، ولما تنازل ابنه الأكبر علاء الدين عن الحكم، انتقل العرش إلى أخيه أورخان، واستمر العرش بالانتقال إلى أكبر أبناء السلطان الحاكم، مما أثار النزاع بين الإخوة على السلطة، مما دفع بالسلاطين اللاحقين إلى سن قانون قتل الإخوة ليضمنوا بذلك حصر الحكم في أبنائهم دون أن يكون هناك منازع.
وقد تم خرق هذه القاعدة عام 1617 عندما أوصى السلطان أحمد الأول وهو على فراش الموت بأن يؤول الحكم من بعده إلى أخيه مصطفى، الذي اعتلى العرش باسم مصطفى الأول، فما هو السبب الذي دفع بالسلطان أحمد لاتخاذ هذا القرار؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من لنا أن تعرف على مصطفى.
السلطان مصطفى الأول
هو مصطفى ابن السلطان محمد الثالث، ولد عام 1591، وعلى خلاف إخوته أبقى السلطان أحمد على حياته، وسمح له بالعيش مع والدته أسيراً في أحد القصور بين الجواري والخدم، كانت نشأته هذه كفيلة بأن تفقده أهليته في الحكم.
الفاتح المسلم الذي قتل ابنه: ما بين الكذب والحقيقة
عاش مصطفى أسيراً إلى أن أفرج عنه عقب وفاة أخيه السلطان أحمد، ليجد نفسه حاكماً لإحدى أكبر الإمبراطوريات، ورغم ثبوت عجزه العقلي استلم العرش مرتين:
ولايته الأولى (1617ـ 1618) امتدت على ثلاث أشهر.
ولايته الثانية (1622ـ 1623) امتدت على مدار سنة وأربعة أشهر.
وبسبب سلوكياته الغير متزنة أطلق عليه لقب دِلي أي المختل، مما يزيد في حيرة القارئ أنه بالرغم من ضعفه البارز للعيان تولى العرش ليس لمرة واحدة فقط بل مرتين، كانت المرة الأولى بإمضاء أخيه السلطان أحمد، فلماذا فعل أحمد ذلك بالرغم من وجود من يخلفه من أبناءه؟ ومن الذي انتخب السلطان مصطفى لولايته الثانية؟ ولماذا؟
الأسباب الخفية لتولي السلطان مصطفى العرش
كان لدى السلطان أحمد ثلاث زوجات: ماه فيروز، كوسم، و فاطمة خاصكي.
وكان لديه 9 أبناء ذكور أكبرهم عثمان ابن ماه فيروز، ولما كانت كوسم الأقوى بين نسائه وأكثرهن سطوةً وتأثيراً، قامت بإقناع زوجها وهو على فراش الموت بأن يوصي بولايه العهد لأخيه مصطفى بدلاً من ابنه عثمان، فكان لها ذلك.
أما عن دوافع كوسم لذلك، فهي كانت تخشى على أبناءها الأربعة من القتل، كما فعل السلاطين السابقين بإخوتهم، لذلك فكرت في استلام مصطفى العرش لسببين: أولاً ليس لديه أولاد يخلفونه، ثانياً لعدم اتزانه العقلي مما سيدفع السراي إلى استبعاده مما يتيح لابنها مراد فرصة تولي الحكم.
وكما خططت كوسم فبعد ثلاث أشهر من توليه الحكم تم خلع السلطان مصطفى، إلا أن آمالها خابت بعد تتويج رجال القصر لعثمان، فحكم باسم عثمان الثاني.
الشعرة التي قصمت ظهر هتلر : وحولته من منتصر كبير إلى خاسر أكبر
لم ترضخ كوسم للأمر الواقع، وعمدت على التخلص من ابن زوجها بتحريض رجال الجيش عليه الذين تمردوا عليه، وتسللوا إلى القصر مفرجين عن السلطان مصطفى، حيث توج سلطاناً للمرة الثانية، بعد قيامهم بخلع عثمان وقتله بأمر من كوسم.
وهنا تكون كوسم قد حققت أهدافها في المناداة بمصطفى حاكماً والتخلص من عثمان بشكل نهائي، وهنا تأتي المرحلة الثانية، وهي نقل العرش إلى ابنها مراد، وعليه نجحت في إيصال أحد أنصارها إلى منصب الصدر الأعظم (يقابله منصب رئيس الوزراء)، وعن طريقه قامت باستبعاد مدبري الانقلاب على عثمان، وبالتالي كانت الأمور مهيئة أمامها لخلع السلطان مصطفى عام 1623 ليحل محله ابنها مراد باسم مراد الرابع.
وهكذا نكون قد أنهينا هذا المقال بعدما أجبنا على السؤال: كيف تولى السلطان مصطفى الأول العرش وهو فاقد لقواه العقلية، من خلال الحديث عن آلية انتقال الحكم في السلطنة العثمانية الذي وضعنا أمام لغز آخر: لماذا تولى الأخ الحكم بدل الابن كما اعتاد السلاطين العثمانيين أن يفعلوا، وهذا التساؤل ارتبط جوابه بالمحور الرئيس للمقال، فكان الجواب على كلا السؤالين أن كوسم هي من دبرت لكل ذلك في سبيل تولي ابنها مراد العرش.