الفاتح المسلم الذي قتل ابنه، فتوحات إسلامية، كثيرة هي القصص التي سمعنا عنها وتداولناها دون الرجوع إلى مصدر الأخبار والتحقق فيما إذا كانت حقيقة أم خيال، كثيراً ما تفاعلنا مع شخصيات اكتشفنا فيما بعد أنها سيئة، وكثيراً ما احتقرنا شخصيات اكتشفنا فيما بعد أنها كانت مع الحق ضد الباطل، وكثيرة تلك الأحداث التي أعطيناها من مشاعرنا بالسلب أو الإيجاب، وهي في النهاية أحداث إما منقوصة أو موضوعة
وفي هذا المقال سنتعرف على، الفاتح المسلم الذي قتل ابنه: إحدى الروايات التي صفق لها نوع من الجمهور، وانتقدها نوع آخر، وهي ما أُشيع عن ساموري توري من قتله لابنه بعد اتهامه بالخيانة.
أقرأ أيضا : قصة عشق وخيانة حالت دون سقوط أوروبا بيد الأمويين
من هو ساموري توري
قائد إفريقي مسلم، ولد في ساننكورو (من نواحي غينيا اليوم)، يُرجح مولده ما بين عامي 1830ـ 1835، تلقى تعليمه على يد أحد أشهر الشيوخ في ساننكورو، لينخرط بعدها في العمل بالتجارة.
استمر ساموري توري بالتجارة حتى عام 1853، وهو العام الذي شهد نقطة التحول الكبيرة في حياته، التي نقلته من تاجر إلى قائد عسكري فذ، وذلك عندما سقطت والدته في أسر حاكم بيساندوجو الذي أغار على جيرانه في ساننكورو، فقتل من قتل وأسر من أسر، وكان من بين الأسرى والدة ساموري.
كان ساموري آنذاك عائداً من إحدى رحلاته التجارية، فلما علم بأسر والدته سارع إلى افتداءها بوضع نفسه في العبودية مقابل إطلاق سراحها، فوافق حاكم بيساندوغو على ذلك، وألحقه بالجيش لمدة سبع سنوات وسبع أسابيع، كانت كافية لتصنع من ساموري مقاتلاً محترفاً.
وبعد انتهاء خدمته في بيسانوجو، التحق ساموري ببملكة تورون 1860_ 1861 تلبية لطلب حاكمها الذي جعل ساموري على إمرة جيوشه.
أقرأ أيضا : لماذا اشترى كولومبس حماراً قبل رحلته إلى أمريكا؟
تأسيس دولة ساموري وصدامه مع الفرنسيين
تلك التجارب العسكرية صنعت من ساموري حاكماً لدولة مستقلة، وكانت ساننكورو نواة دولته، إذ تولى عرشها عام 1867 عقب انشقاقه عن سيده في تورون.
ومن ساننكورو انطلقت فتوحات ساموري توري الإسلامية، مسيطراً على مناطق الوثنيين في حوض النيجر، ناشراً الإسلام فيها، وكذلك استولى على مدن مسلمة خالطت معتقداتها بعض الممارسات الوثنية، ليقوم بعملية تصحيح التعاليم فيها وفق القرآن الكريم والسنة النبوية.
الجدير بالذكر أن دولة ساموري استناداً إلى الحدود الإفريقية الحالية، قد امتدت على المنطقة التي تشمل ما يُعرف اليوم بجنوب جمهورية غينيا وجنوب جمهورية مالي، وشرق جمهورية سيراليون، وشرق جمهورية ليبيريا، وجزء من غربي ساحل العاج، كما أسس دولة ثانية في ساحل العاج.
أما عن صدامه مع الفرنسيين فقد بدأ منذ العام 1883 عندما تقدمت فرنسا من حوض السنغال باتجاه النيجر، فتولى ساموري مقاومتهم حتى عام 1898، إذ سقط أسيراً بأيدي الفرنسيين الذين قاموا بنفيه إلى الغابون ليلقى حتفه هناك عام 1900.
أقرأ أيضا : الشعرة التي قصمت ظهر هتلر : وحولته من منتصر كبير إلى خاسر أكبر
رواية قتله لابنه
تقول الرواية أن فرنسا قامت باختطاف أحد أبناء ساموري توري من أجل مساومته على مناطق النفوذ، إلا أن ساموري توري رفض الإذعان لذلك، مفضلاً بقاء ابنه في الأسر.
مما حدا بفرنسا إلى إيجاد خطة بديلة ألا وهي أن تنشأ ابن ساموري على مبادئ الفرنسيين وعقيدتهم، ومن ثم ارجاعه إلى حضن أبيه، علّه يستطيع التأثير فيه، فيرضخ لمهادنة الفرنسيين.
رحب ساموري بابنه، إلا أنه لم يلبث أن صُدم بنمط حياته الجديد، مما أثار حفيظته، متهماً إياه بالخيانة، ولأنه كان خائفاً من تأثر الرعية به وميلهم إلى مسلكه الموالي لفرنسا، قرر ساموري إعدامه منفذاً حكمه أمام جمهرة العامة.
هذا الموقف تداوله المسلمون بالفخر والاعتزاز بأن ساموري انتصر لعقيدته على عاطفة الأبوة وأنهى حياة ابنه العميل لأعداءه، بينما عده غير المسلمين وصمة عار في صفحة ذلك القائد الوطني الذي كان يذود عن حمى دولته، وكلا الموقفين سيُمحى عند معرفة حقيقة هذه الرواية، والظروف التي دفعت البعض لهذه الخيالات.
حقيقة العلاقة بين الأب والابن
ما حدث أن القتال قد دخل مرحلة الاتفاقيات السلمية منذ العام 1886، ولمّا كانت فرنسا تريد من ساموري أن يتعرف بحمايتها على ممتلكاته، اقترحت عليه إرسال ابنه كاراموكو إلى فرنسا، وتهدئةً للموقف وافق ساموري على هذا الاقتراح.
سافر الابن في شهر آب حيث قضى في فرنسا ثلاث أشهر وعاد بعدها إلى أبيه دون أن يتأثر بالفرنسيين، ذلك كان الاتصال الأول بين كاراموكو والفرنسيين.
أما الاتصال الثاني فقد حدث عام 1889 وكانت لا تزال مرحلة السلم قائمة، ففي ذلك الوقت كان ساموري يرغب في معرفة ما إذا كان الفرنسيون يخططون لمهاجمته أم لا، فأرسل كاراموكو إلى معسكرهم متظاهراً بالانشقاق عن أبيه، وأعطى الفرنسيين معلومات مضللة عن جيش ساموري، فيكتشف ساموري أن الفرنسيين لا يفكرون بمهاجمته، لتنتهي بذلك مهمة كاراموكو.
وبهذا الاستعراض الموجز نكون قد تعرفنا على حقيقة الموقف الذي ألهب مخيلة البعض وسطّروا على أثره أسطورة: الابن الخائن والأب المستقيم، والذي كان عبارة عن تمثيلية متفقة بين الإثنين: الأب الدكيتاتوري والابن المتعاطف مع الفرنسيين، التي جسدت العلاقة بين الأب الحكيم والابن البار، وبهذا تنتهي مقالة اليوم، الفاتح المسلم الذي قتل ابنه، بعد توصلنا للحقيقة.