قصة عشق وخيانة حالت دون سقوط أوروبا بيد الأمويين

سقوط أوروبا، كثيراً ما يتم تبرير منعطفات هامة في الحياة بأسباب ثانوية مُغفلين السبب الجوهري لتلك الانعطافة، فلكل حدث جوهري سبب جوهري وأسباب متضافرة معه، وهذا ما يعترضنا عند دراسة معركة بواتييه (بلاط الشهداء)، إذ أوعز الكثير من المؤرخين سبب خسارة المسلمين إلى اهتمامهم بالغنائم فضلاً عن استشهاد قائدهم، إلا أن هناك سبب رئيس لهذه الخسارة سنتعرف عليه في هذه المقالة.

سقوط أوروبا
سقوط أوروبا

أقرا أيضا : لماذا اشترى كولومبس حماراً قبل رحلته إلى أمريكا؟

فتوحات المسلمين في أوروبا 

بدأت الفتوحات الإسلامية منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت بداية موجهة ضد الوثنيين في شبه الجزيرة العربية، واستمرت في عهد خلفائه ضد الروم والفرس، فانطلقت جيوش الفاتحين في كافة الاتجاهات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.

وفي عهد الأمويين وبعدما تم لهم إحكام السيطرة على القسم الغربي من الوطن العربي، من البحر الأحمر وحتى المحيط الأطلسي، اتجهوا بأنظارهم إلى أوروبا، بهدف تحقيق وصية عثمان بن عفان بفتح الطريق الأوروبي باتجاه القسطنطينية، وكانت انطلاقتهم من المغرب باتجاه الأندلس (إسبانيا والبرتغال)، ونجحوا في إخضاعها عام 711م.

وكانت وجهة المسلمين التالية بلاد الغال(فرنسا) المتاخمة للأندلس، وبعد سلسلة من الانتصارات مُنيّ جيش الأمويين بقيادة عبد الرحمن الغافقي بخسارة كبيرة في معركة بواتييه عام 732م، وبتلك الخسارة ضاع حلم المسلمين في السيطرة على أوروبا وفتح الطريق إلى القسطنطينية.

قصة عشق وخيانة حالت دون سقوط أوروبا بيد الأمويين
قصة عشق وخيانة حالت دون سقوط أوروبا بيد الأمويين

 سقوط أوروبا ؟ ملخص المعركة

حدثت المعركة في أواخر شهر شعبان من العام 732م، ما بين تور وبواتييه، بقيادة كل من عبد الرحمن الغافقي قائد المسلمين وشارل مارتل قائد الفرنجة، استمر القتال المتكافئ مدة عشر أيام (حتى أوائل شهر رمضان)، انتهى بنصر ظاهري للمسلمين، إلى أن اكتشفوا متأخرين خدعة الفرنسيين الذين باغتوا المسلمين بهجوم خاطف على مركز تجمع الغنائم في مُؤخرة الجيش، مما أحدث بلبلة في صفوف المسلمين  الذين غادروا أماكنهم لحماية الغنائم، ومما زاد الطين بلة استشهاد عبد الرحمن الغافقي نتيجة إصابته بأحد السهام.

الموقع الجغرافي لمعركة بلاط الشهداء

ومع ذلك تمكن المسلمون من استعادة هدوئهم، وصمدوا حتى انتهاء القتال مع حُلولِ الليل، حيث غادروا معسكراتهم على أرض الغال، متجهين إلى نقطة إنطلاقهم في سبتمانيا، دون أن يقوم الفرنجة بملاحقتهم خوفاً من وجود مكيدة.

كانت معركة بواتييه خاتمة المحاولات لفتح غالية(فرنسا)، ويُرجع المؤرخين سبب الهزيمة إلى اهتمام المسلمين بالغنائم مكررين ما حدث في معركة أُحد، إلا أن المتعمق في الأحداث التي سبقت المعركة يجد أن سبب الهزيمة خيانة أحد قادة الثغور، وإليكم ما حدث.

عثمان بن أبي نعسة وتواطئه مع الغاليين

كان لعثمان بن أبي نعسة تاريخ في الأندلس، فقد كان لفترة ما والياً عليها، وأثناء ولاية الغافقي كان عثمان قائداً للثغر الأموي في شمال شرق الأندلس.

كان أود حاكم أقطانيا الغاليّة المجاورة للأندلس يعمل على استمالة عثمان، فأغواه عن طريق ابنته الفاتنة التي سرعان ما أسرت لُبّ عثمان، وشُغف بها حباً، ليتوج هذا الحب بالزواج.

وعندما عقد الغافقي العزم على بدء العمليات العسكرية اتجاه بلاد الغال، فمن المؤكد أن تكون البداية من أقطانيا، لذلك أصدرأوامره لعثمان بالإغارة عليها، إلا أن عثمان رفض ذلك، وكان في طريقه للانضمام لجيش أقطانيا، إلا أن الغافقي أدركه أثناء عبوره إلى أقطانيا، فقتله وأسر زوجته.

بسبب ذلك تنبه أود لخطة الغافقي، ولما لم يكن على ثقة بمقدراته، ولإنقاذ عرشه اتجه أود إلى عدوه شارل مارتل حاكم الفرنجة وأقنعه بأن سقوط أقطانيا سيشكل خطراً على أوروبا بالكامل، وقد تمخض عن ذلك تحالف شارل مارتل مع أود، حيث تفاجئ الغافقي عندما رأى جيش شارل الجرار، وهذا مالم يكن بحسبانه، وبالتالي خسارة المسلمين للمعركة.

908
خريطة سياسية لأوروبا الغربية قبيل المعركة

وكلمة الختام أن شارل مارتل لم يكن المُستهدف من القتال، ولولا تحالف أود معه لحقق المسلمون انتصاراً حتمياً، وإن سلّمنا بأن السبب المباشر لهزيمة المسلمين هو تخلخل صفوفهم، فإن السبب الجوهري هو خيانة عثمان للمسلمين، تلك الخيانة التي نبهت أود لمخطط الغافقي وأعطته الوقت الكافي للأخذ بأسباب النصر، وفي رأي الباحث كان على الغافقي أن يعيد ترتيب خططه بعد ما فعل عثمان فعلته لا أن يسير على نفس المخطط، فخيانة عثمان كانت صخرة اعترضت طريق الغافقي الذي اختار أن يتابع في الطريق نفسه، دون أن يضع في حسبانه القاعدة التي تقول بأن الانتصارات لا تأتي من البدايات الخاطئة.

 

شارك

You cannot copy content of this page