العلاج النفسي بالموسيقى بين الحقيقة والوهم

 العلاج النفسي بالموسيقى،  هل حدث أن استمعت إلى موسيقى معينة وشعرت كأنها تتكلم معك،  أو انتابك شعور بالسعادة أو إنها تداوي حزنك، فهل هذا مجرد صدفة حيوية أم أن الموسيقى تؤثر فعلاً على الدماغ،  لذلك في هذا المقال، سأعرفك كيف تعالج الموسيقى الأمراض وتحسن من الحالة المزاجية وكيف أصبح العلاج النفسي بالموسيقى للأمراض بديلا عن العلاج التقليدي بالأدوية.

ما هو العلاج النفسي بالموسيقى؟

هو أسلوب معالجة يعتمد على خصائص الموسيقى الطبيعية في تحسين المزاج وزيادة السعادة، وفي الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية من خلال الاستماع للموسيقى،  أو صناعة الألحان أو من خلال الغناء والعزف على آلة موسيقية، و يتم هذا العلاج من قبل أخصائيين مدربين بشكل كافي ملمون بكافة جوانب الموسيقى وكيفية إستخدامها في العلاج و يتم تطبيقها في المستشفيات و المدارس ومراكز التأهيل.

اكتشاف العلاج النفسي بالموسيقى

بداية يرجع تاريخ العلاج النفسي بالموسيقى إلى العرب قديماً، حيث عرفوه وتمكنوا من إستخدامه للتأثير على الحالة النفسية للمرضى وتسريع عملية التشافي.

فكان أبو نصر محمد الفارابي أول من إستخدم هذا النمط من العلاج، وخير دليل على فضل الفارابي في إدخال نمط جديد من المعالجة إلى الطب النفسي، هي مؤلفاته كتاب الموسيقى الكبير و كتاب إحصاء الإيقاعات.

وجاء اختراعه لآلة القانون وسيلة لاستخدامها في العلاج بالتأثير على المزاج والحالة النفسية، ومن جهة أخرى تم إعتماد هذا النمط من العلاج كعلاج معتمد بعد الحرب العالمية الثانية، في المشافي الأمريكية التي عالجت الناجين من آثار الحرب

حيث لوحظ تحسن في مزاج المحاربين القدامى جسدياً و نفسياً عند استماعهم للموسيقى ؟ حيث يقول علماء المعالجة النفسية  عند سماعنا للموسيقى فإن القشرة المخية تنشط في أدمغتنا وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط مناطق أخرى مثل المناطق المسؤولة عن الحركة أو المشاعر.

وهذا يفسر أنه كلما استمعت إلى الموسيقة سريعة التردد سيزداد عدد المناطق المنشطة في الدماغ وتشعر بالطاقة والحيوية، و كذلك الأمر بالنسبة للموسيقى البطيئة ستشعر بالراحة والاسترخاء حيث تعتمد فكرة الاستماع للموسيقى على إثارة استجابة إتجاه مواقف محددة وذلك من خلال التحفيز الحسي في القشرة المخية.

علاقة الموسيقى بالدوبامين ؟

الدوبامين معروف بأنه هرمون السعادة فهو ناقل عصبي يساعد الدماغ على القيام بوظائفه المختلفة مثل الذاكرة والانتباه وغير ذلك،  يمكن أن يؤدي نقصه إلى أعراض مرضية عديدة مثل الاكتئاب، وفي هذا السياق يوجد طرائق طبيعية لزيادة إفراز الدوبامين، فهل سألت نفسك لماذا تشعر بالسعادة عند استماعك لأغنية تحبها، أو لماذا تشعر بأن مزاجك أصبح أفضل، إنه بفضل الدوبامين هرمون السعادة، فعندما تستمع لموسيقاك المفضلة فإن معدلات إفرازه تزيد وهو مرتبط بشعور السعادة والرضا والتحفيز وبالمقابل عند استماعك لأغنية حزينة فإن معدلات إفراز الكورتيزول تزيد وتنشط مناطق في الدماغ المسؤولة عن المشاعر السلبية.

دور العلاج النفسي بالموسيقى في علاج الأمراض

كما ذكرنا سابقاً ولأن الموسيقى تزيد من شعور السعادة والتحفيز لذلك تكون فعالة في التخفيف من أعراض مشكلات الصحة العقلية مثل:
• الزهايمر
• الفصام
• القلق
• الخرف
• التوحد
• اضطرابات الشخصية
• اضطرابات المزاج
• الصدمات
وأيضا تساهم الموسيقى في علاج المشاكل والأمراض البدنية كالسرطان، وارتفاع ضغط الدم،  وقد أدت الموسيقى دوراً هاماً في تعزيز قدرة الفرد على التواصل الاجتماعي، والاختلاط، وتعزيز الثقة بالذات، وتحسين السلوك ضمن المجتمع، إضافة للتحرر من الصدمات العاطفية لدى المريض.

طرق العلاج النفسي بالموسيقى

تتم جلسة المعالجة بالموسيقى باستماع المريض للموسيقى، أو العزف على آلة موسيقية، أو حتى الغناء وصنع الألحان وتأليفها،  وتظهر نتيجة العلاج نتيجة التواصل وتكوين بيئة معينة صحية بين المريض والمعالج، واندماج المريض مع الألحان، مما يجعله قادر أن  يعبر عن ذاته، وتذكره للتجارب التي مر بها بوضوح ومعالجتها

ويتم إختيار طريقة و نوع الموسيقى من قبل المعالج،  بما يتناسب مع الحالة المزاجية للمريض، حيث يكون تأثيرها كبيراً عليه لذلك يحرص المعالج على مطابقة الألحان والكلمات مع الحالة النفسية له، ويتم إختيار المعزوفة أو المقطوعة الموسيقية المناسبة حسب معايير منظمة الأيزو “ISO”،  ومن الأمثلة على حالات تنجح الموسيقى في علاجها :

•  العزف على الآلات الموسيقية مثل البيانو والكمان يعزز المهارات الحركية لمن يعاني من صعوبة في حركة أطرافه.
  عندما يتعرض شخص لجلطة وتتسبب بصعوبة في النطق فإنه عندما يحاول المعالج معه غناء بعض الأغاني سيساهم ذلك في تعزيز مهارات النطق لديه
•  بالنسبة للأطفال التي تعاني من التوحد فإنه باستماعهم للأغاني فيطلب منهم المعالج النفسي استنتاج ما يشعر به الطفل من خلال المقطوعة الموسيقية مما يزيد من قدرتهم على التواصل ويحسنها.

كيف تتم جلسة المعالجة بالموسيقى

بعد أن يختار المعالج طريقة الموسيقى أو نوعها المناسب للمريض، يبدأ بسؤاله عن ذكرياته ومشاعره المرتبطة بهذه الموسيقى، قد يطلب المعالج من مريضه أن يكتب كلمات أغنية تعبر عن حالته وذكرياته في الماضي، وبذلك يتخلص من المشاعر السلبية ويثير عاطفته ويخفف من التوتر والقلق، والجدير بالذكر أنه لم يسجل مسبقاً أي مخاطر للعلاج النفسي بالموسيقى، ولكن يمكن أن تؤثر بعض أنواع الموسيقى و في ظروف معينة سلباً على بعض المرضى.

أنواع العلاج النفسي بالموسيقى

• العلاج بالموسيقى التحليلية
• العلاج السلوكي المعرفي بالموسيقى
• العلاج المجتمعي بالموسيقى
• العلاج النفسي الصوتي
• طريقة بوني للتصور الموجه والموسيقى
• علاج بينينزون بالموسيقى

لماذا نحب الاستماع للموسيقى الحزينة عند الحزن؟

درس الباحثون تأثير الموسيقى الحزينة على المستمع لها واستنتجوا أن هذه الموسيقى تخلق لهم شعورا بالبهجة والارتياح عند سماعها، وبالعواطف التي تثيرها فهي مصدر للمتعة عند بعض الأشخاص وباستماعهم لتلك الموسيقى يحاولون خلق جانب إيجابي لهم،  رغم قساوة الموقف إضافةً إلى التخفيف من تأثير الصدمة، وبذلك يكون إختيار الإستماع للموسيقى الحزينة لدى الأشخاص المتعرضون لموقف صعب أو صدمة هو فعل لا إرادياً، لتكون هي الطريق الوحيد للتعبير عن المشاعر التي يمر بها الشخص، ولأن  كل أغنية تعبر عن قصة تشبه قصة الشخص المتعرض للصدمة، لذلك يختار بأن يستمع لقصة مشابهة لقصته محاولاً تقبّل الألم والهموم.

كيف تؤثر الموسيقى الحزينة إيجاباً على مرضى الاكتئاب

بينت بعض التجارب سابقاً الأثر السلبي للموسيقى الحزينة على مرضى الاكتئاب، لكن أجريت مؤخراً دراسات جديدة تنفي تلك الدراسات، وتبين الأثر الإيجابي لتلك الموسيقى على مرضى الاكتئاب، وكانت التجربة بأن النساء اللاتي كانوا يعانون من أعراض الإكتئاب، اخترن الإستماع للموسيقى الحزينة، وذلك بسبب قدرتها على تحسين مزاجهن و إضافةً لقدرتها على التخفيف من القلق

وفسر العلماء أن نوعية هذه الأغاني فعلها على الجسم كفعل المهدئ للجملة العصبية، ويجب القول أن الموسيقى لن تعالج الإكتئاب ولكنها تخفف من أعراض المرض وتحسينها لنوعية الحياة لديهم، إضافةً لمساعدة المرضى في القدرة على التواصل.

وأخيرا ما زال مجال العلاج النفسي بالموسيقى يحتاج للكثير من الدراسات لكونه أثبت فعاليته في تحسين حياة كثير من المرضى وبذلك نأمل أن نكون قد أجبنا على أغلب أسئلتكم حول العلاج النفسي بالموسيقى.