الشعرة التي قصمت ظهر هتلر : وحولته من منتصر كبير إلى خاسر أكبر

 الشعرة التي قصمت ظهر هتلر ؟ مما لا شك فيه أن الصدفة كثيراً ما لعبت أدواراً في مسار الحياة لدى كثير من الأشخاص، إلا أن الصدفة غير حقيقية عندما يتعلق الأمر بالأحداث الكبرى، فوراء كل حدث مفاجئ خطط مدروسة يستغرق بعضها سنين طويلة، ولا سيما فيما يتعلق بالحروب، وليس أدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود الغطفاني أثناء التحضير لغزوة الخندق عندما كلفه بمهمة تجسسية على بني قريظة: (( إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة))

وفي هذا المقال سنتعرف على سبب الانعطافة الكبيرة المفاجئة في مسار الحرب العالمية الثانية، تلك الانعطافة التي سميت ببداية نهاية هتلر.

أقرأ أيضا : قصة عشق وخيانة حالت دون سقوط أوروبا بيد الأمويين

التعريف بهتلر

اسمه الكامل أدولف لويس هتلر، ولد عام 1890 في براوناو النمساوية، كان والده شخصاً عادياً يعمل في الجمارك ولم يكن له أي نشاط حزبي.

نشأ هتلر وهو لا يملك طموحات سياسية بل على العكس تماماً كانت ميولاته فنية، إلا أنه لم يُقبل في أكاديمية الفنون في النمسا، وكذلك مدرسة العمارة.

لم يجد هتلر مستقبلاً في النمسا، فضلاً عن إعجابه بالإمبراطورية الألمانية، مما دفعه إلى السفر إلى ألمانيا عام 1912، وعاش  هناك عيشة فقيرة.

وعندما دق ناقوس الحرب العالمية الأولى عام 1914 سارع هتلر إلى الانخراط في صفوف الجيش الألماني، وترقى إلى رتبة عريف،وبعد خسارة ألمانيا الحرب انتسب إلى صفوف حزب العمال الإشتراكي الألماني (النازي)، ونجح في تزعمه عام 1921.

ولمّا كان لديه طموح لحكم ألمانيا قاطبة، قام هتلر بترجمة طموحه هذا في محاولته الفاشلة للإنقلاب عام 1923، فحكم عليه بالسجن لخمس سنوات.

وعقب خروجه من السجن وحتى عام 1933 كانت ألمانيا تعيش حقبة مضطربة مهدت الطريق أمام هتلر للوصول إلى منصب المستشار،وفي العام التالي تولى منصب رئيس الجمهورية فضلاً عن منصب المستشار، كما نصب نفسه قائداً للجيش، مُتخذاً لنفسه لقب الفوهرر، وبذلك حكم ألمانيا حكماً مطلقاً.

الشعرة التي قصمت ظهر هتلر : وحولته من منتصر كبير إلى خاسر أكبر
الشعرة التي قصمت ظهر هتلر : وحولته من منتصر كبير إلى خاسر أكبر

الحرب العالمية الثانية من الاندلاع وحتى مطلع عام 1943

انتهج هتلر سياسة خارجية توسعية قائمة على توحيد مناطق يقُطنها الألمان تحت حكمه، بدأها بضم النمسا عام 1938، وفرض حمايته على تشيكوسلوفاكسا عام 1939، ومن ثم اتجه شرقاً للسيطرة على بولونيا،  مما جر عليه عداء الدول العظمى ليشتعل بذلك فتيل الحرب العالمية الثانية، دول المحور ألمانيا وإيطاليا واليابان ضد الحلفاء فرنسا إنكلترا الإتحاد السوفياتي ولاحقاً الولايات المتحدة الأمريكية.

تابع هتلر توسعاته حيث أذعنت له النرويج والدنمارك في نيسان 1940، وهولندا وبلجيكا في أيار 1940، ولم يأت يوم 14 حزيران إلا وكانت ألمانيا داخل باريس، وهناك تشكلت حكومة جديدة وقعت هدنة مع ألمانيا في آب 1940، مما أجبر إنكلترا على مواجهة هتلر بمفردها.

وكان القصف الجوي الألماني عنيفاً جداً على مدن إنكلترا، وعلى الرغم من الخسائر المادية والبشرية صمدت إنكلترا ثلاثة أشهر، ولدى عجز هتلر أمام دفاعاتها نقل نشاطه إلى دول حوض البحر المتوسط، مستولياً على اليونان في آذار 1941، وكريت في أيار، كما أرسل قواته إلى ليبيا ومصر مُلحقاً الهزائم بالإنكليز هناك.

الدمار الذي لحق بلندن عقب القصف الألماني

إلا أن التوسع شرقاً هو ما كان يهدف له هتلر لذلك لم يتابع تقدمه في دول الوطن العربي بل نقل نشاطه إلى أراضي الاتحاد السوفياتي الذي كان بدوره يتقدم غرباً، حيث نجح هتلر من تحطيم دفاعات السوفييت متوغلاً في أراضيهم إلى أن وصل إلى مشارف موسكو عام 1941.

كل هذه الأحداث تُنبئ بنصر مُحتّم لدول المحور، وأن هتلر ليس بعيداً عن لقب حاكم أوروبا، إلا أن المفاجأة كانت في كانون الثاني 1943 عندما قضى السوفييت على الجيش الألماني المحاصر على أراضيهم منذ شهرين وإبادته بالكامل، وكان هذا الحدث بداية سلسلة الهزائم التي توالت على هتلر، وهنا لمع اسم شخصية ألمانية يدعى ريتشارد سورج أو سيرجي فمن هو سورج أو سيرجي؟

ريتشارد سورج ودوره في الحرب

في عام 1895 في باكو (أذربيجان الحالية) إحدى مقاطعات الإتحاد السوفياتي ولد ريتشارد سورج  لأب ألماني وأم روسية، انتسب سورج للجيش الألماني عام 1914 وقاتل في صفوفهم، وبعد الحرب تابع سورج دراسته وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية.

ريتشارد سورج

اعتنق سورج الشيوعية، وانتسب إلى الحزب الشيوعي الألماني، وأثناء رحلته إلى موسكو وضع نفسه تحت تدريب المخابرات الروسية، وبعد عودته إلى ألمانيا انتسب إلى الحزب النازي لكي يغطي على ميولاته الشيوعية، وفي عام 1933 انتدب الاتحاد السوفيتي سورج لتأسيس شبكة تجسسية في اليابان، وكان من الذكاء بأن حصل من ألمانيا على مهمة للعمل صحفياً في اليابان، وبذلك نجح في تغطية نشاطه الجاسوسي لصالح السوفييت.

تقرب سورج من السفير الألماني في اليابان وحاز على ثقته، وكان السفير يخبره بكل ما يَردُه من معلومات من برلين، ويأخذ رأيه، وكان من بين المعلومات التي حصل عليها أن اليابان لن تشارك في الاجتياح الهتلري القادم على السوفييت، مما مكن ستالين من سحب قواته على الجبهة مع اليابان، وتركيزها على الجبهة مع ألمانيا، محققاً بذلك أول نصر على الألمان، لتدخل ألمانيا مرحلة الانحدار التي انتهت بالهزيمة النهائية عام 1945، مما دفع هتلر إلى إنهاء حياته مُفضّلاً الموت على تجرع كأس الذل والأسر.

وفي ختام المقال نكون قد أوضحنا سبب الانقلاب المفاجئ في موازين الحرب العالمية الثانية، فلم يأت هذا الحدث مصادفة، ولم يكن سببه ازدياد قوة السوفييت، بل جاء نتيجة العمل الدؤوب من قِبل المخابرات السوفيتية أعد له منذ سنين طويلة، وبذلك يكون ريتشارد سورج الشعرة التي قصمت ظهر هتلر.

شارك

You cannot copy content of this page